من أجل سعادتك ، اضبط سقف توقعاتك (تمرين عملي)

مقدمة
الانسان خلقه الله ضعيفا، والنقص والعجز صفات مخلوقة فيه من أصل فطرته، والكمال المطلق هو لله وحده، والعصمة من الأخطاء تكفل الله بها للأنبياء وحدهم، ولم يتكفل بها لأحد من الناس، ومع ذلك، وتخفيفا عنهم ورحمة، راعت الشريعة ضعفهم ذلك، ووعدهم إن هم وقعوا في التقصير بأن يغفر ذنوبهم ويتوب عليهم إذا استغفروا وتابوا.
وقل مثل ذلك هذه الدنيا فهي مخلوقة على النقص والنكد والمتاعب والأحزان، ولم تخلق أصلا على الكمال ونهاية المتاعب والأحزان، فهي دار تحكمها قوانين الابتلاء والامتحان، وتقع ضمن أقدار الله ومشيئته الواقعة بين أسباب السعادة وأسباب الشقاء، وتجتمع فيها النعمة والمصائب، وقد يتمتع الإنسان زمنا طويلا، فإذا بكارثة تحل عليه تخلخل جميع توازناته وتربك كل حساباته وتوقعاته، سواء حصل هذا الموقف في الدنيا أو في الآخرة. والآية تشير إلى هذا المعنى: “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا”.
ضبط هذا المبدأ مهم في سير الناس في طريق السعادة، واستحضاره في حياتهم ومعاشاهم وطبيعة قراراتهم وسلوكياتهم، أمر مهم للغاية، حتى يتعرفون على إمكانياتهم وقدراتهم الخلقية الطبيعية، وأن لا يتجاوزون تلك الحقيقة ويقفزون عليها، فيميلون أحيانا الى أنهم ذوي إمكانيات خيالية، ويجب أن يسير كل شيء على ما يرام فيتسببون بإرهاق أنفسهم وإرهاق من معهم في سفينة الحياة.
التفكير بهذه الطريقة مسلك خطير للغاية لأنه يسبب متاعب كبيرة ومتنوعة الكثير يجهلون أسبابها، مثل الذي يمتلك سيارة صغيرة (من أصل صناعتها) ويريد يحملها حمولة اعلى من قدراتها. ومثل ذلك توقعاتنا في التحسن المستمر للظروف يجعلنا واقعون في المبدأ الإداري المشهور في التخطيط والذي يسمى “مبدأ عدم التأكد” وطرق الاستعداد له.
ونحن في برنامج ثمن السعادة نركز على تغيير طرق التفكير من الاتجاهات السلبية والعادات الفكرية الخاطئة الى طرق التفكير الإيجابية والعادات الفكرية الصحيحة.
الهدف/
- تفهم المعنى الحقيقي لضعفنا وضعف كل من حولنا من الأهل والأبناء والموظفين والعاملين.
- إدراك أن الجميع بشر يصيبون ويخطئون وليس أحد منهم معصوم وأن الخطأ جائز عليهم جميعا بدون استثناء.
- إدراك أن العيب ليس في الوقوع في الخطأ وإنما العيب عدم السماح للنفس باكتشافه و ما يتسبب في إنكاره وعدم الاعتراف به.
- إدراك أن من الحكمة البشرية التي تناسب المشيئة الربانية، هي السماح للنفس باكتشاف العيوب والترحيب بها تمهيدا لمعالجتها، بدلا عن التضجر والانكار وادعاء الكمال، ولو بغير قصد.
- إدراك أن من الحكمة والكمال (البشرية) الاستفادة من الخطأ والعيب بعدم تكراره، ثم محاولة تحسين الأداء .
سقف التوقعات:
هو كل ما نتوقعه من أنفسنا ومن أهلنا وأبنائنا، والذي يجب ألا يتصادم مع حقيقة النقص البشري الفطري، بل علينا أن ندخل ضمن حساباتنا أن الخطأ وارد من الجميع؛ آباء وأمهات وأبناء ومدراء وعاملين، ورؤساء ومرؤوسين، وأن الكمال عزيز لدى البشر، خاصة إذا بذل الانسان جهده المستطاع وترك التهاون والكسل الممنوع والمحذور، واستفرغ وسعه وفق المقدور.
أمثلة:
حينما يرفع الأب سقف توقعه بالطلب من أبنائه الحصول على أعلى الدرجات في الامتحان. فعلى الفور تعلن حالة الطوارئ في البيوت ويستنفر الجميع في بلوغ تلك الدرجة، وطبيعي أن تختلف قدرات الأبناء عن إخوانهم وعن زملائهم وعن جيرانهم، فكون الجار حصل درجات عالية، ربما تكون مواهبه وإمكانياته أعلى وأكبر، وقد يفتقدها الابن، ولذلك لن ترتقي نتائجه الى مستوى توقعات الأب ولن يستطع مجاراة جاره الموهوب. وهنا تعلن حالة الطوارئ مجددا في البيت وتبدأ سلاسل لا تنتهي من اللوم والعتاب، بل الشتم والسباب، والإهانة والعقاب. وقد عشت وسمعت وأدركت في حياتي أبناء انتحروا هروبا من هذه الممارسات الخاطئة والمسلك الخطير في التفكير.
مثال آخر /
المرأة ترفع سقف توقعاتها وتطلب من زوجها أن يوفر لها مثل زميلاتها وجيرانها أو مثل صديقتها العزيزة، وهنا تحل على البيت موجات من النقاش بين الإجابة والرفض والعتاب والحوار الحاد، قد تؤدي إلى التفكير بأساليب تزعزع سكينة البيت وقد تنهي الحياة فيه وتشرد الأبناء.
ويشتد الأمر حينما تترسخ القناعة عند المرأة أن سعادتها وسعادة أسرتها لا يمكن تتحقق بغير المستوى التي تعيش فيه زميلاتها وجيرانها، والأفضل أن تكون أحسن م الجميع.
ويشتد الأمر أكثر إذا كان مستوى الرجل لا يسمح بهذه المقارنة، أو أن لديه أولويات أخرى مثل التعليم والصحة ومشروع المستقبل الذي شغله ليعف الأسرة.
مثال آخر/
المدير يرفع سقف توقعاته فيطلب من الموظف تحقيق التميز في الأداء بما يرضي العملاء ويحقق الثراء للمنظمة من خلالهم. لكنه مقابل ذلك لم يبذل الوسع في اختيار الأكفاء من الموظفين، ولم يؤهلهم على المهام التي تناسب حجم التحدي الذي تواجهه المنظمة.
وفي ظل هذه الطوام من العجز المؤسسي المصاحب للقصور البشري، يستمر المدير بالصراخ بأعلى صوته أن “لا يتميز علينا أحد”، وهنا تبدأ معاناة الجميع من صرخات المدير ونظراته القاتلة وتعليماته الصارمة، منطلقا من معاناته وتخوفاته من انتقادات العملاء، وخشيته من نظرات الأقران ورفاق الحياة.
ولذلك نقول أنه مهما اجتهد الموظفون دون مقومات التميز العلمية المدروسة، فلن يبلغوا ذلك، بل عند حصول التقصير(المتوقع أصلا) يبدأ مسلسل البحث عن الضحية الذي زعموا أنه المتسبب بكل هذه الويلات للمؤسسة، ولن يكون غير الموظف.
خفض سقف التوقعات:
خفض سقف التوقعات لا يعني ترك المطالبة لأبنائنا وزوجاتنا، ولا يعني ترك مطالبة الزوجة في تحسين مستوى معيشتها، ولا يعني ترك مطالبة المدير من موظفيه التميز والمنافسة، فليس هذا هو المقصود من خفض سقف التوقعات. إنما المقصود ربط قرار التميز بتوفر الإمكانات الذاتية لدى الافراد، والموضوعية في البيئة المحيطة، وفي أساليب قيادتنا وطرق تقييمنا للإمكانيات واتخاذ القرارات المتناسبة مع تلك الإمكانيات.
فان كانت الإمكانيات عالية والبشر مؤهلون بما فيه الكفاية فلترتفع سقوف التوقعات، وإن لم نفلح في بلوغ السقف المطلوب نعيد النظر في تقييم الإمكانيات والأساليب ثم نعالجها حتى نتأكد أن رفع سقف توقعاتنا أصبح ممكنا.
خفض سقف التوقعات يعني أن لا تكلف الناس بما لم يكلفهم الله، ولا تطلب منهم ما يصعب عليهم، ولا تطلب منهم ما تعجز عنه (أنت وأمثالك)، ولا تطلب منهم مالم تبذل جهدك في الإعداد والتهيئة له.
خفض سقف التوقعات لا ترك مطالبة ولدك التميز، مالم تكن أنت نعم العون والمشجع والمحفز له، فاذا اكتشفت بعد كل هذا أنه عجز جسديا أو عقليا، فاخفض سقفك الى مستواه وقم بعلاجه قدر ما تستطيع، وحمله مل يطيق.
اخفض سقف توقعاتك الى مستوى إمكانيات زوجتك، فإذا رغبت في رفع السقف فعليك أولا برفع الإمكانيات لديها .
من الخطأ في التفكير:
- أن تطلب من الناس نتائج لم تبذل جهدا في الوصول اليها، فلا تتعب، لن يصلون.
- أن تقارنهم بزملائهم أو إخوانهم دون مراعاة الفروق الفردية بين البشر، فغير المؤهلين قطعا لن يصلون.
- أن تقارن زوجتك بنساء العالمين، وأنت لم تبذل الوسع في الاختيار والتربية والتعليم، فلن تصلون.
- أن تطلب من موظفيك المنافسة والمناطحة في عالم الكبار ولم تزودهم بقرون المناطحة، وأقصد بها: قرون مواصفات اختيارهم المتناسبة مع أعمالهم، وقرون التأهيل المستمر للمستويات المطلوبة، وقرون توفير المناخات التشجيعية والتحفيزية ماديا ومعنويا، وقرون حسن قيادتك وإنسانيتك وحسن تقييمك وأسلوبك في حل مشكلاتهم.
خطوات تنفيذ التمرين:
- تعرف على امكانياتك وامكانيات من معك (زوج زوجة ولد بنت -عامل – موظف…) ولو تحاول أن تتعلم أبسط الخطوات في ذلك من أفلام اليوتيوب.
- تعلم حتى تصل إلى قناعة ويقين بقول الله تعالى: (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) و (لا يكلف الله نفس الا ما أتاها)، و تعلم كيف تتصرف بناء على هذه القناعة.
- من اليوم، لا تحمل نفسك ما لا تطيق (اضبط سقف توقعاتك مع نفسك) .
- من اليوم لا تحمل غيرك ما يطيقون (اضبط سقف توقعاتك تجاه من معك).
- إذا ترغب في رفع سقف توقعاتك أنت ومن معك، عليك أن تتعب كثيرا بالإعداد من خلال التعليم والتمرين، عندها ستتحسن الأمور بشكل ملحوظ وسريع بقدر اخلاصك واجتهادك.
- لا تتوقعين إن ابنتك ستكون (ست بيت ناجحة) دون تعب وتعليم وتمرين.
- ولا تتوقع أن يشاركك ولدك هموم الحياة دون تعليم وتمرين.
- ولا تتوقع أن العامل لديك سوف يحسن أدائه دون تعليم وتمرين.
خلاصة مبادئ ضبط سقف التوقعات.
1/ التوقعات تعني النتائج التي تنتظرها بفارغ الصبر بعد الأوامر الحاسمة بالجد والاجتهاد، سواء لنفسك أو لأهلك أو لأولادك أو لموظفيك ومن معك.
2/ لا ترفع السقف فوق الإمكانيات الممكنة فتعجزون.. ولا تخفضها أدنى من القدرات الممكنة فتفشلون
3/ يجوز أن ترفع سقف توقعات بلا حدود في الظن بالله وطلب رضاه والجنة (مع الجد في العمل) كما جاء في الحديث الصحيح:” إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى”.
4/ لا تتوقع أن سيارتك الصغيرة تتحمل حمولة قاطرة (فتقضي عليها)، قم بخفض سقف توقعاتك الى مستواها، فإن أبيت فراجع مستواك في الإدارة.
5/ واجب عليك رفع سقف التوقعات إذا كانت لديك قاطرة وتراودك أفكار بتحميلها حمولة سيارة صغيرة، فإن هذا هو العبث ، مالم يحمل لوثة فساد .
6/كلما رفعت سقف توقعاتك فوق مستوى قدراتك وقدرات من حولك كلما توترت الاعصاب وكثرت المشاكل وحل الإحباط محل التفوق (المتوقع).
7/ وكلما خفضت سقف توقعاتك أدنى من مستوى قدراتكم كلما حلت البطالة والتواكل والكسل ويصبح الجميع عالة على الجميع.
8/ ارفع سقف توقعاتك من ابنك الذكي الموهوب، واخفضها مع ولدك الضعيف العاجز الضعيف ، فإنهم لا يستوون، والظلم جور والعدل حكمة.
9/ لا ترفع سقف توقعاتك لمجرد ان من حواليك متفوقين فربما بذلوا أكثر منك، وارفع توقعاتك إذا بذلت أنت وتعبت وأحسنت التربية والتوجيه والقيادة، وستكتشف الإمكانيات وتديرها صح.
انتهى التمرين 3