الإدارة بالفطرة .. فطرة!!
مقدمة:
يظن الكثير من الناس أنه لابد للجميع من تعلم مبادئ الإدارة ومواضيعها وأبوابها المتقدمة في المشاريع الصغيرة، حتى أصبحت الفكرة هاجس عند البعض ويحسبون أن كل أمور الناس ومعايشهم لا تصلح إلا بهذا.
ولكل هؤلاء ممكن أن يقال، كيف أدار الناس أمور حياتهم على مر الأزمان، في الزراعة والتجارة والصناعة، وسائر مجالات الحياة؟ هل كان الجميع على علم ودراية بأسس ومبادئ الإدارة؟ أم أن هناك نوع من الإدارة هي الخبرة التي يتناقلها الناس بعضهم من بعض؟ هل يمكن أن تكون فطرة في الناس أودعها الله في نفوسهم لكي تستقيم بذلك حياتهم؟
للإجابة على هذه الأسئلة، أترككم مع هذا الحوار الهادف بين زوج وزوجته، محاولا من خلاله بيان هذه الفكرة.
حوار ساخن بيني وبينها :
(بعض مفردات الحوار بلهجة محلية يمنية – عدنية )
قالت لي بعفوية الحديث بين المرأة وزوجها البعيد عن الرسميات: ضيعت نص عمرك تتعلم إدارة، أقدر اشرح لك الموضوع بنص ساعة، بس لو تتنازل وتسمعني يا.. يا صاحب الإدارة والتخطيط الاستراتيجي.
ضحكت وقهقهت من قلبي.. وقررت أن أثبت عجزها وأن ألقنها درسا حال فشلها، فأضمرت في نفسي أن أسمع باهتمام لما عندها لأكتشف الأخطاء قبل أن أفكر بالانتقام من تحديها المُر.
قالت: إذا جمعت لي الناس – على عادتك – وتريد لهم ضيافة غداء تعرف كيف أخطط للأمر يا حضرة المدير.
قلت: هاتي.. الله يصبرني.
قالت: أسألك قبل الموعد بوقت كاف ولا لا؟ مش تجي في نفس اللحظة وتطلب الغدا، سأرفضك طلبك وأرفض استقبال ضيوفك، وأقول لك غديهم أنت في المطعم.. صح؟
قلت: صح..
حينها أطرقت مفكرا.. لقد تذكرت مبدأ من أهم مبادئ التخطيط، وهو أنه يجب أن يبدأ قبل العمل، ولا يصح التخطيط أثناء العمل أو قبله بوقت قصير وغير كاف، وذلك من أجل الاستعداد اللازم لتنفيذ الهدف على أكمل وجه.
قالت: مالك مدوِّخ.. إيش فيك، كلامي صح؟.
قلت: وأنا بين مغالبة الضحك ومحاولة كبت الغضب.. صح.
قالت: أسألك عن عدد الضيوف، واقترح عليك نوع الغداء، ومستوى الطبخ ومكان الوليمة.. صح؟
قلت: فعلا صح..
وتذكرت حينها أهداف التخطيط، وأنه لا توجد خطة صغيرة ولا كبيرة إلا بهدف أو أهداف صغيرة أو كبيرة، ولا توجد البتة أي خطة بدون هدف، كون الهدف غاية والخطة وسيلة للوصول إليه. ويجب أن تكون تلك الأهداف واضحة محددة واقعية قابلة للقياس محددة بزمن له بداية ونهاية يعني SMART.
نظرت مستغربة من صمتي الطويل وبماذا أفكر..
ثم واصلت:
-
اطلب منك توفير الطلبات كاملة، مع احتياطي زيادة في كمية الطلبات، ووصولها في الوقت المحدد بالضبط.
-
استعين بمن يساعدني في تنفيذ عملي.
-
صح .. ولا.. لا ؟
قلت بإعجاب: صح والله صح..
تذكرت حينها الموارد المالية والمادية والبشرية الواجب توفيرها من أجل تنفيذ الخطة وتحقيق الهدف، وتذكرت الخطة البديلة (الاحتياط) لمواجهة الطوارئ في الخطة الأساسية.
قالت: عند توفر الطلبات، ابدأ بأموري كالتالي:
-
أخطط بسرعة ما العمل، وطريقة ترتيب السفرة ونوع الطعام وطريقة التقديم.
-
نحدد متى ينتهي العمل تماما، قبل ما يأتي الضيوف بوقت مناسب.
-
أوزع الشغل بين مساعداتي بين نظافة وطبخ وتجهيز الطلبات.
-
التأكد من جاهزية كل شيء.
-
الانطلاق نحو العمل.
قلت: نعم.. صدقتِ..
وهنا تذكرت أمورا منها:
-
الخطة التنفيذية (التشغيلية)، والقاعدة الذهبية في الإدارة: “ابدأ وعينك في النهاية”، والتي تعني: حدد ابتداء كيف تتصور نهاية العمل بتفاصيله الدقيقة، وبناء على ذلك ارسم خطتك التنفيذية، فإن قدر الوضوح والدقة في تصورك لهدفك، يساعد كثيرا في الوصول إليه.
قالت: في الوقت المحدد يبدأ العمل وفي الوقت المحدد لنهايته (يجب) أن ينتهي.
ثم أردفَت قائلة: فإذا انتهى العمل في المطبخ، وجاء الضيوف، نبدأ فورا في المرحلة التالية وهي تقديم الغداء بحسب ما خططنا له بكل حذافيره، ونمنع الاجتهاد من أي طرف (خاصة أنت لابد أن تترك اجتهاداتك جانبا) حتى لا تتلخبط الأمور… صح ولا عندك اعتراض؟
وهنا فعلا أيقنت أني أمام عقلية ذكية رغم بساطتها لكنها تضع خطة عمل بسيطة جدا وسليمة للغاية.
قالت بضيق: باليتني أعرف أين يشرد ذهنك عني.. هل هذا وقت تفكر فيه (بزوجة غيري).
فانفجرت ضاحكا.. ثم قلت لها: (أنت فين وأنا فين) يا الله واصلي الشرح يا سيادة المدير، أنتن هذا تفكيركن دائما يا معاشر النساء.
قالت: فإذا انتهى الضيوف من الغداء وانصرفوا، نبدأ نحن في التجهيز للمرحلة الأخيرة من العمل، وهي إعادة الأوضاع في المطبخ إلى ما كانت عليه، فنحدد العمل المتبقي، ونوزعه بيننا، ونحدد زمن البداية وزمن النهاية.
فتذكرت مراحل العمل، وان المرحلة التالية، يجب ألا تبدأ إلا بعد الانتهاء من المرحلة السابقة، وأي تداخل بينها قدر يربك ويخرب أكثر من أن يصلح. وإن شئت قل: مدخلات المرحلة التالية هي مخرجات المرحلة السابقة الى نهاية سلسلة المراحل.
قالت: هذا يا سيدي المدير كل ما في الأمر.
ثم قلت لها: رائع.. رائع فعلا.. قلتها مع إعجابي بلفظة سيدي، لأنها تهاجمني من أول الكلام وتزعم أن لديها خبرات غزيرة تتطاول على بها.
طبعا لا أخفيكم، في هذه اللحظة انبسطت للغاية من البساطة في التفكير والتلقائية في الطرح والوضوح في الأهداف والمراحل والإجراءات وتحديد الإمكانيات… شيء عجيب فعلا، ينم عن أثر الخبرة والفطرة في التفكير.
ثم تساءلت في نفسي: هل هذا يفسر ما تدار به الكثير من مؤسسات المجتمع خاصة الصغيرة منها؟، وهل ملاكها بحاجة الى التعمق في الكثير في مبادئ وفنون الإدارة لتسيير شئون مشاريعهم الصغيرة؟
ثم قلت، لها مذكرا لا معاتبا: لقد نسيت شيئا مهما، وهو أهم شيء تركزين عليه بعد كل وليمة وكل عمل تقومين به.
قالت: وما هو؟
قلت: حاولي تعرفين.
ففكرت قليلا ثم قالت ضاحكة: ما عادك تشتي.. غدِّيت ضيوفك وروحوا والسلام.. بقي ترضى أنت، وهو أهم شي عندي.
قلت: يا مديرة المطبخ وربة البيت السعيد، بعد كل وليمة تطلعين روحي وتسأليني بالتفصيل عن مستوى الغداء وهل أعجب الضيوف، وكم التكاليف، وهل هي نفس التي حددنا أم لا.. صح؟
قال متعجبة : أوووه .. والله صح … كيف نسيت مع أنها أمتع لحظة عندي، لأني اشعر بالإنجاز وتحقيق الهدف.
ثم أردفت : وبصراحة مادام تكلمت.. أنا دائما افتح معك الموضوع لأني أريد أن أسمع منك أكبر قدر من كلمات الثناء والإعجاب عن طبخي وعن طاعتي لك وإكرامي لضيوفك، وعن حسن تدبيري. وأنا أعتب عليك بصراحة أنك تنسى تقول لي هذا الكلام على بساطته وعظيم أثره عندي.
حينها، استشعرت أمورا مهمة في علم إدارة الموارد البشرية منها:
-
ضرورة تقييم العمل بعد الانجاز ومقارنة المدخلات بالمخرجات وقياس الانحراف، وهل تحقق الهدف ومستوى الإنجاز، وهل يبرر المصروف عليه من الجهد والمال.
-
ثم عامل التحفيز فهو مهم للغاية، لأنه من المبادئ الإدارية التي تجعل العامل يتفانى في تقديم الخدمة وينفذ الأوامر القادمة بكل حماس، والذي ينساه الكثير من المديرين (كما نسيته أنا، غفلة لا تعمدا).
حوار جميل جدا…موفق يادكتور عطيه….انا احد تلميذاتك.وممن افتخر بك (جامعه اﻻندلس.)
شكرا رجاء غلى المتابعة معذرة الرد جاء متاخرا
شكرا رجاء على مرورك وتعليقك .. اعتذر على التاخير في الرد
تشرفنا استاذة رجاء.. تابعونا